إسرافيل المغربي- كود

—-

 

في الصغر ،كنت أسمع أن فلان الفلاني في حوزته إنجيل ، أو فلان الفلاني يراسل منظمات مسيحية “مشبوهة” تزوده بكتب مسيحية وأقلام وعطور فاخرة .. كنت أعتقد أن الإنجيل ،كتاب يحوي بين دفتيه ، شيطان ،بفم فاغر ، يريد إلتهام كل من يقرأه ، ليخرجه من النور ،ويرمي به في غياهب الظلام والهلاك..يتملكني الفرح حينما أسمع خبر اعتقال أحدهم وبحوزته هذا الكتاب الشيطاني ، أو جماعة تسعى إلى نشر تعاليم هذا الدين المقيت ، وكان قلبي ،يعتصره الغبن والكرب ، حينما أقرء خبرا عن ازدياد عدد من إلتهمهم الشيطان الإنجيلي ..

 

 

لازلت أتذكر ذلك اليوم الذي طالعت فيه الأناجيل الأربعة..لوقا،يوحنا،مارقوس،ومتى..فتحته فلم أجد بين دفته أي شيطان،تناولت الكتاب بعدما اقنعت نفسي ,أنه كما قال الفقيه ،كتاب محرف وحنيف عن الحق ،ولا حكمة ترجى منه ،ولافائدة تستقى من أحرفه..قرأته سطرا سطرا ،وإصحاحا إصحاحا..فلم أجد فيه مايدعوا إلا كل هذا العداء الطافح، والخوف الفائح، فقط قصص كتلك التي توجد في باقي كتب الدين ،وتعاليم من هنا ،ومواعظ من هناك ، ودعوة إلى إتباع إله ذو أقانيم ثلاث!

 

 

أدركت بعدها أن هذا الكتاب ،لايستحق المنع ،ولاخوف منه، فكيف يخاف من يدعي امتلاك أصدق الكتب ، من كتاب يقال عنه محرف و مغشوش. إن مصادرة الكتب ،مهما كان نوعها ،سواء كانت دينية أو فلسفية أو أدبية، أو علمية، هو وصاية فكرية، وحجر على المعرفة، وخوف من فكر ومعتقد الأخر.

في بحر هذا الأسبوع ، تم اعتقال شاب داخل المحطة الطرقية لفاس ، والتهمة توفره على إنجيل ! حسب مصطفى جبور ،العضو في المنظمة المغربية لحقوق الإنسان ، فإن الشرطة قد اقتادت حامل العبوة الإنجيلية الناسفة، إلى الكوميسارية المركزية، حيث تم استنطاق المعتقل ،الذي تم إطلاق سراحه ،بعد 11 ساعة من الحراسة النظرية.

 

 

إن هاته الإعتقالات الغير قانونية ، تعصف بكل الخطوات التي سلكها المغرب ،في مجال الحريات الفردية، وعلى رأسها حرية المعتقد. المغرب قد وقع على مشروع قرار أممي تقدمت به أزيد من ستين دولة في مجلس حقوق الإنسان حول حرية الدين أو المعتقد خلال ختام الدورة الخامسة والعشرين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وينص القرار الذي تم تمريره بالتوافق دون اللجوء إلى التصويت، «على ضرورة حماية حق كل فرد في اختيار معتقداته وإظهارها وممارستها بالتعليم والممارسة والتعبد وإقامة الشعائر علانية، كما يؤكد القرار الذي صوتت عليه كافة الدول الإسلامية الحاضرة، على حرية الأفراد في أن يكون أو لا يكون لهم دين أو معتقد.. بما في ذلك حقه في تغيير دينه أو معتقده».

 

 

إن هاته الفوبيا الدينية، ومحاولة فرض الدين الواحد ،والمذهب الواحد ، على الجميع ، يجعل الدولة تتناقض مع جوهر الدستور والإتفاقيات الدولية التي وقعت عليها ، ومن جهة أخرى تعتبر أن المواطن المغربي ، إنسان قاصر فكريا ،وليس في استطاعته التمييز بين الصالح والطالح، واعتناق مايراه مناسبا له ،من افكار ومعتقدات ،فالله ليس في حاجة لمن يحميه ، والدين ذو البناء المتين ،لن تزعزعه أفكار وحجج الأخر.