حميد زيد

—

أولادكم ليسوا لكم.
لمن الأولاد إذن يا جبران خليل جبران.
أظنك أخطأت التقدير، إنهم ليسوا لنا، لكنهم ليسوا أيضا أبناء الحياة.
أولادنا اليوم ليسوا لأحد
أولادنا أخذهم منا نينتدو 3 دي إس
إنهم أبناء وبنات الأيباد وألعاب الفيديو.
ننجبهم ونرضعم من ثدي الأمهات، ويأتي نينتدو لينتزعهم منا.
لا الحياة موجودة ولا الآباء
أولادنا اختاروا أن تتبناهم الآلات
لا مستقبل لنا يا جبران
أولادنا يعيشون معنا، لكنهم في عالم آخر
لم تعد عبارتك صادمة يا جبران
لقد خانك المستقبل الذي كنت تمدحه
خانك الشعر والأدب وخانتك الحرية

 
أي محبة تتحدث عنها يا جبران
أي حياة
وأي أولاد
لم نعد نكلم أولادنا
ولم تعد لديهم رغبة في الحديث إلينا
أبناؤنا ليسو لنا
أبناؤنا غارقون في عوالمهم الموازية

لم يعد أحد منهم يعيش في هذا العالم
ولم تعد الحياة تغريهم
أولادنا تخلوا عن كل شيء

 
وتخلوا عنا
وتخلوا عن الحياة
أولادنا يبحلقون في الشاشات
أولادنا يا جبران يعبدون الألعاب الجديدة
أولادنا يا جبران يصلون صلاة إلكترونية
ويتذكرون الجوع
يتذكرون النوم
يتذكرون الحياة والله حين يسمح لهم نينتدو بذلك
أولادنا يتنكرون لنا حين يبلغون عامهم الثالث
أولادنا عيونهم حمراء من كثرة النظر في شاشات اللوحات الإلكترونية
أولادنا يا جبران ليسوا بشرا
أولادنا نسوا أن الإنسان هو من أنجبهم
أولادنا لهم رب إلكتروني
ليسوا لنا. ليسوا لنا، ولا للحياة

 
ماذا قال نبيك يا جبران
ماذا قال
حتى النبي لم يتوقع أن أولادنا سيصيرون يوما آلات
حتى نبيك يا جبران لم يتوقع ما سيحصل
أولادنا بشحان كهرباء
أولادنا بوجوه شاحبة ولا دم فيها
أولادنا الذين ترمش عيونهم مثل الدمى من كثرة النظر في الشاشات
أولادنا الذين صار يعميهم الضوء
أولادنا الذين لا يصدقون أن القطط والكلاب والحشرات موجودة في الواقع
بل فقط في الألعاب والشاشات
أولادنا الذين ينطون مثل سوبر ماريو
هذا المسيح الدجال
الذي ظهر قبل سنوات من الآن
وخلق دينه الجديد
وخلق أتباعه
الذين ينظرون إلى آبائهم نظرات شزراء
ولا يفهمون لماذا نحن هكذا
ولا يفهمون لماذا لسنا آلات

 
أبناؤنا ليسوا لنا
ويوما ما سيحملون آباءهم الجدد من الأب ستور
آباءهم الذين يشبهونهم
وليس نحن
نحن الكائنات الآيلة للانقراض
والتي تشتري لأبنائها الكونسولات ليتخلصوا منا
في أقرب فرصة.