الرئيسية > آراء > أقاطع، لن أقاطع، أقاطع، لن أقاطع! عدوي اللفت لولا حواري معك لما تعرفت عليك وأكلتك
21/11/2014 09:06 آراء

أقاطع، لن أقاطع، أقاطع، لن أقاطع! عدوي اللفت لولا حواري معك لما تعرفت عليك وأكلتك

أقاطع، لن أقاطع، أقاطع، لن أقاطع!  عدوي اللفت لولا حواري معك لما تعرفت عليك وأكلتك

حميد زيد

أحسد المقاطعين في كل المجالات، وقد جربت أن أكون مثلهم، لكني أفشل دائما.
قبل مدة قاطعت السجائر، ثم عدت إليها مستسلما رافعا الراية البيضاء، واضعا نفسي تحت رحمتها، راضخا لقدري، قائلا لها اقتليني كما تشائين، واقتليني على مهل، امنحنيني السرطان، أنا راض، أنا راض بمصيري.
وقبل أيام قاطعت زوجتي، لكني عدت إليها متوددا ومتغزلا، موشوشا لها يا حبيبة قلبي أنا ندمان وأعتذر.
وكلما فشلت في مواجهة أمر أقاطعه، ثم سرعان ما أتراجع، وأعود.
حتى الفاصوليا، قاطعتها، ولأنها لذيذة، عدت إليها، رغم أنها مدمرة ومسببة للقلاقل ومطلقة للرياح.
وأنا صغير، كنت على طرفي نقيض مع اللفت، وأتبرم منه، ولا آكله، قبل أن أكتشف أنه ليس سيئا كما كنت أعتقد، وأن الحوار مع الآخر ومواجهته ضروري للتعرف عليه.
وقد رفضت أيضا التطبيع مع الباربا والبطاطا القصبية، ولولا تجاوزي للعائق النفسي، لبقيت لحد الساعة محروما من هذه الخضروات، مقتنعا بأنه على الإنسان أن يعرف عدوه، سواء كان لفتا أو بطاطا قصبية، قبل أن يحكم عليه، وعدو تعرفه أفضل من عدو لا تعرفه، ومن خلال معرفته يمكنك التغلب عليه، ومعرفة مكامن القوة والضعف فيه، كما تسهل عليك معرفته أكله من حيث لا يدري.
أما بالنسبة إلى اللفت المحفور والبسباس، فمازلت لحد الساعة ممانعا وأرفض التطبيع معهما، لا أختلف في ذلك كثيرا مع خالد السفياني ومع باقي رافضي التطبيع مع العدو.
وفي سنوات مضت قاطعت العمل، ولما احتجت إلى المال، وساء وضعي، عدت إلى العمل صاغرا.
أمس فقط، قاطعت فيلما، وندمت، ورجعت إليه أشاهده من منتصفه، فلا أنا سجلت الموقف ولا أنا تفرجت في الفيلم كاملا.
هذا طبعي.
أنا دائما جبان ومستسلم ولا أذهب في مواقفي إلى مداها، لأن الذهاب إلى أقصى مدى تطرف، وقد يعيق تطورك الفكري ويحد من نموك العقلي، فتظل ثابتا على فكرة واحدة لا تغيرها، ولو كانت خاطئة تظل مؤمنا بها، فتحرم نفسك بذلك من أفكار جديدة ومن مأكولات شهية ومن مشروبات لذيذة.
أحسد المقاطعين جميعا، وأستغرب من قدرتهم على هذا الفعل، ومن قدرتهم الخارقة على القبض على الجمر وحرمان أنفسهم من كثير من المتع.
أستغرب مثلا لجماعة العدل والإحسان، التي تقاطع الانتخابات ولا تظهر إلا بين الفينة والأخرى في الشارع، وأرى أنها محرومة منا نحن المغاربة.
لا ترانا الجماعة ولا نراها، وترفض تربيتنا وأخلاقنا وعاداتنا السيئة، ورغم أنها كثيرة وضخمة فهي تعيش في عزلة تامة عنا، وتنتظر حتى نتغير ويتغير النظام كي تظهر وتشارك في المغرب وتبنيه وتطوره.
تقسو هذه الجماعة كثيرا على نفسها، وقد تموت دون أن يحصل أي شيء.
لا تشاهد مثلنا الأفلام، ولا تتجول معنا في الأسواق، ولا تنتبه لوجود المشرملين، ولا تستمع إلى الأغاني الهابطة، ولا تتفرج على الكليبات، وتقضي عمرها وهي تقاطع وتقاطع، محرومة مما يحدث، ومن التملي في الواقع ومواجهته، والعيش مع السيء منه، وتبادل أطراف الحديث معه.
هذه ليست حياة، ومن الحمق انتظار أن تكون الحياة جميلة ومثالية كي نعيشها.
الجبن والبراغماتية والتنازل والحيلة والمصلحة كلها أشياء ضرورية كي لا نحرم من العيش في هذا العالم، ومن التمتع بالموجود واقتسامه مع الآخرين، الآن وهنا.
لا طاقة لي على الصبر، ولا على المقاطعة، وفي المرات الكثيرة التي جربت فيها ذلك، أثبت لنفسي أني لا أصلح لأن أكون مناضلا ولا قويا ولا معارضا يشار إليه بالبنان.
حين كان يقاطع اليساريون المارلبورو، دخنتها، ولم أنتظر حتى يظهر تبغ سوفياتي ينافسها، ولم يكن لي صبر على الانتظار، لأني كنت أعرف أنها الأفضل، وتقتلك بأناقة لا تتوفر عليها خشونة البروليتاريا الرثة، عديمة الذوق، التي كانت تدخن تبعا أسود رديئا وبلا فلتر، من صنع النظام المخزني الرجعي، حليف الإمبريالية الأمريكية.
وشربت الكوكاكولا وأكلت الكانتاكي ولم أنتظر فيروز ولا مكة كولا ولا شوارمة، فالأكل أكل ولا دين له ولا إيديولوجيا، والأفضل أن تختار اللذيذ منه والأرخص على جيبك، وألا تنتظر شيئا من قوى التحرر، التي كانت منشغلة بتعذيب مواطنيها وإرغامهم على أكل البطاطا المسلوقة، ولم نكتشف أنهم كانوا محرومين من البرتقال والفواكه والسندويشات، حتى انهار جدار برلين، فطبع اليساريون مع أمريكا، وأصبحوا يقبلون دعمها لهم ويشكرونها ويضعون المارلبورو على طاولات المقاهي وكونتوارات البارات، دون أن يتهمهم أحد بالتنازل ولا ببيع القضية.
ألعب دائما مع الحياة كما هي، وأحيانا بلامبالاة، وأميل معها إلى حيث تميل.
تابعت هذه الأيام مثلا ما يحدث في فيدرالية اليسار، ونقاش الرفاق حول هل نقاطع، هل نشارك، هل نعم، هل لا، وحسدتهم هم أيضا على هذا الترف، فبعد عقود كثيرة مرت، خرجوا فيها من أحزاب وانشقوا عن أحزاب ودخلوا أحزابا، ومازالوا إلى غاية هذه اللحظة لم يحسموا في الأمر، ولم يحددوا هل يقاطعون أم يشاركون، ومازال منهم قوم قابضون على جمر المقاطعة، ومنهم من استسلموا، ورأوا أنه ليس حلا أن نظل نقاطع ونقاطع إلى الأبد، بينما الحياة تمر، ونحن ننقرض، والعالم يتقدم بنا أو بدوننا، والمخزن يتطور وينفتح أكثر منا ويجد الحلول لنفسه، ونحن مازلنا كما كنا، منذ سنوات، نقاطع ونقاطع، وحين قررنا أن نشارك، كان ذلك متأخرا، وماتت جماهيرنا الشعبية وماتت قاعدتنا، ولم يعد لنا ناخبون ولا عمال وفلاحون ولا أي شيء، حتى صارت مقاطعتنا مضحكة ومشاركتنا مثيرة للشفقة، لا البسر معنا ولا الأشباح، بعد أن أصبح العالم كله رجعيا ومحافظا، وإذا صوت يختار السلفيين.
في أكثر من انتخابات مغربية لم أذهب إلى التصويت، ولم أختر أي أحد، فمرت الانتخابات دوني، ونجح الناجحون وفشل الفاشلون، ولم يتزعزع أي أحد ولم يتضرر أي أحد، ولم يسألني أحد لماذا فعلت ذلك، رغم أني لم أسجل موقفا، ولم أقاطع، بل غلبني فقط النوم والكسل واللامبالاة، وحتى في هذه ندمت، وقلت مع نفسي: كان أفضل أن تذهب وتصوت، فمن الأحسن أن تدلي بصوتك ولا يحصل أي شيء، على أن لا تذهب، وتظل ندمان تلوم نفسك على ترددك في الخروج من البيت، ورمي ورقة تتذكر بها أنك يوما ما قمت بواجب ما، وانتميت إلى هذا البلد الذي تعيش فيه.
ومع ذلك أحسد من يقاطع، لأنه مطمئن ومتأكد وحاسم في قراراته، وقد يمر القطار ولا يركب فيه، لأن القطار رجعي، فيصل الجميع ويبقى هو في المحطة، ينتظر أن يمر قطار تقدمي، رغم أن السيدة ذات الصوت الرقيق، أخبرته أنه القطار الأخير في التاريخ، ولن يمر لا قطار سريع ولا قطار بطيء بعده.
نعم أحسد المقاطعين على راحة البال، بينما الذي لا يقاطع يظل متوترا، وقد يخسر، وقد يربح، بينما المقاطع لا يخسر ولا يربح، ويظل في مكانه وحبيس الموقف الذي اتخذه قبل عقود خلت، وإذا كان يقاطع اللفت والباربا فإنه يظل يقاطعها إلى الأبد، وعندما يموت يصنعون له تمثالا، دون أن يذوق طعم اللفت الحريف، الذي تنتج عنه جشأة غريبة، أما فسوته فلا مثيل لها، كما أن له فوائد صحية كثيرة، يحرم منها المقاطعون والممانعون والأبطال ورافضو أنصاف الحلول، الذين يموتون ولا يقتنعون بإن الحياة توجد في البين بين وفي أنصاف الحلول، والحال أنهم يعتبرون هذه الكلمات سبة، ويقاطعونها هي الأخرى.

موضوعات أخرى

20/04/2024 09:30

وفينك آ الوالي وفين الجمعيات البيئية.. “ديناصور” عقار داير تجزئة كّدها كّداش فغابة طنجة وكلشي ساكت والصداع ديما نايض غير على “الصغار”

20/04/2024 09:20

المساواة والرفع من نسبة تمثيلية لمرا جمعات قاضيات مغربيات بوزيرة العدل المكسيكية

20/04/2024 09:00

نهضة بركان عندهم كلمة وحدة: إما الجزائر تحترم قانون الكاف ونلعبو بتوني خريطة المغرب المعتمد أو ما نلعبوش

20/04/2024 08:00

أسود الفوتسال مشاو عند صاحبهم يوسف جواد للسبيطار باش يطلعو ليه المورال ويخرجوه من جو الحزن بسبب الإصابة